06‏/05‏/2012

عيش في حدود يومك


من أخطاء الانسان أن ينوء في حاضره بأعباء مستقبله الطويل.

لماذا تخامرك الريبة ويخالجك القلق؟! عش في حدود يومك، فذلك أجدر بك، وأصلح لك.

والعيش في حدود اليوم يتسق مع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيراها". إنك تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر كلها في يديك فاحذر أن تحقرها.

إن الأمان والعافية وكفاية يوم واحد قوى تتيح للعقل النير أن يفكر في هدوء واستقامة تفكيرا قد يغير به مجرى التاريخ كله، بله حياة فرد واحد.

وبعض الناس يستهين بما أولاه الله من سلامة وطمأنينة في نفسه وأهله، وقد يزدري هذه الآلاء العظيمة، ويضخم آثار الحرمان من حظوظ الثروة ولبتمكين. وهذه الاستهانة غَمط للواقع ومتلفة للدين والدنيا.

إن الاكتفاء الذاتي، وحسن استغلال ما في اليد، ونبذ الاتكال على المُنى هي نواة العظمة النفسية وسر الانتصار على الظروف المُعنتة.

والذين لا يشكون الحرمان - لأنهم أوتوا الكثير - قلما ينتفعون بما أوتوا إذا هم فقدوا الطاقة النفسية على استغلال ما معهم والإفادة مما حولهم. هذه حقيقة يؤكدها النبي الكريم مطلع كل صباح فيقول: "ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يُسمعان أهل الارض إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلي ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. ولا غربت شمس قط، إلا وبعث بجنبيها ملكان يناديان: اللهم عجل لمنفق خلفا وغجل لممسك تلفا".

على أن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل، أو ترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل.

وهناك فرق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ في استغلال اليوم الحاضر وبين التوجس المربك المحير مما قد يفد به الغد.
 
من كتاب: جدد حياتك
للامام: محمد الغزالي