الساعة تشير الي الحادية عشر مساءاً ،يجلس إبراهيم علي الكنبه و يطالع الجريدة التي لم تسنح له الفرصه لقراءتها منذ الصباح ، تبدو عليه ملامح التعب و الإرهاق من يوم عمل طويل .
يستمع الي التلفزيون أثناء قراءته للجريدة ، برنامج تلفزيوني يتحدث فيه رجل عن اهمية المشاركة في الانتخابات و عن ممارسات العهد البائد لشراء الأصوات و تزوير ارادة الناخبين. التلفزيون: أخى المواطن …اليوم اصبح لك صوت .. اليوم اصبح لك كرامة .. لقد تخلصنا من النظام البائد بكل ممارسته الفاسده .. عليك ان تثبت للعالم اجمع أنك تستحق الديمقراطيه.
تشير الساعة الي الثانية عشر مساء ، و مع دقات الساعة ذهب إبراهيم في نوم عميق و الجريدة علي وجهه و يعلو صوت شخيره.
خرج إبراهيم من بيته الريفي و توجه الي المقر الانتخابي لكي يدلي بصوته ، و في الطريق بدا عليه الشرود و تذكر اخر انتخابات و هو يبيع صوته و يأخذ الورقة “الدوارة” ، و هي ورقة تم التصويت فيها لصالح مرشح معين جاهزة ليتم وضعها في الصندوق.
كلما مر عليه جماعة من أهل القرية و يلقون عليه السلام – كعادة أهل الريف – لا يبادلهم التحية بسبب شروده العميق في هذا السؤال المهم “ابيع أم لا ابيع” ، و يبدو و كأنه يتحدث الي نفسه بصوت خافت.
يصل إبراهيم الي اللجنة الانتخابية و ينظر بإتجاه اللجنه و قد عُلق عليها شعارات مثل “صوتك أمانة” .. “صوتك سلاحك” .. “اعط صوتك لمن يستحق” .. الخ ، يلمح إبراهيم بجوار اللجنه رجلا لا يرتدي جلباب مثل معظم اهل القرية ، و يجلس علي كرسي و امامه ترابيزة عليها نقود و مجموعة من الاوراق و اعلي رأسه لافته مكتوب عليها “صوتك امانه .. صوتك بـ 100 جنيه“ ، و أدرك إبراهيم ان هذا هو “مشتري الأصوات”.
أضطرب إبراهيم كثيرا عندما رأي هذا الرجل ، في بداية الأمر تجاهله و حاول الذهاب نحو باب اللجنه و لكنه فجأه توقف في الطريق و نظر اليه و قال لنفسه بصوت خافت: “يعني هيه هتيجي علي صوتي أنا .. هو صوتي أنا يعني اللي هيفرق .. و بعدين أنا محتاج فلوس .. و ده صوتي و من حقي ابيعه” ، و بدون أي تردد توجه اليه.
وقف امام مشتري الأصوات و نظر اليه و أظهر ابتسامه خفيفه ممتزجه بالخجل ، رد عليها مشتري الأصوات بوجه عابس ، يمد إبراهيم يده لكي ياخذ المقابل ، يعطي له مشتري الأصوات المقابل و اقرار بـ عنوان “وثيقة بيع صوت” لكي يمضي عليه .. لم يقرأه إبراهيم من شدة اضطرابه و مضي و هو في قمة الدهشه ، ما هذا الاقرار و إيه لزمته ، لقد تعود ان ياخذ الفلوس و معها “الورقه الدواره”.
و بعد ان مضي علي الاقرار حاول ان يسأل مشتري الأصوات عن “الورقة الدواره” و لكنه اكتشف انه لا يستطيع الكلام ، و في نفس اللحظه وقعت عيناه علي الإقرار و أدرك الطامه الكبري … انه لم يبيع صوته الإنتخابي … لقد قام ببيع صوته الحقيقي و الي الأبد … لقد قام ببيع صوته بالفعل ، حاول ان يستغيث و يصرخ و لكن لا جدوي ، تدور الدنيا به و يشعر و كأنه يختنق ، و في نفس الوقت تظهر ابتسامه عريضه علي وجه مشتري الأصوات ، يجري هنا و هناك ، ثم يستسلم لليأس و لحقيقة انه اصبح اخرس بعد ما باع “صوته” بالفعل مقابل القليل من الجنيهات.
يذهب خلف اللجنه ليجد العديد هناك ممن “باعوا أصواتهم” .. يمسكون النقود في ايديهم و اعينهم تتعلق بالسماء.
أستيقظ إبراهيم من نومه بعد هذا الكابوس المفزع و أدرك انه كان يحلم و اخذ يردد “استغفر الله .. استغفر الله .. استغفر الله ” ، و وقع نظره علي عنوان في الجريدة يقول “لا تبيع صوتك .. لا تبيع دماء الشهداء” و في نفس اللحظه يذاع في التلفزيون اغنية الشهداء
“يا بلادي .. يا بلادي .. أنا بحبك يا بلادي“.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يشرفنا نعرف رأيكم